فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: أن لا يكون متعلقًا به، والمعنى: أنهم مقرنون مقيدون، وحظ العقل معلوم مما سلفت الإشارة إليه.
الصفة الثانية: قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ} السرابيل جمع سربال وهو القميص، والقطران فيه ثلاث لغات: قطران وقطران وقطرن، بفتح القاف وكسرها مع سكون الطاء وبفتح القاف وكسر الطاء، وهو شيء يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ ويطلى به الإبل الجرب فيحرق الجرب بحرارته وحدته، وقد تصل حرارته إلى داخل الجوف، ومن شأنه أن يتسارع فيه اشتعال النار، وهو أسود اللون منتن الريح فتطلى به جلود أهل النار حتى يصير ذلك الطلي كالسرابيل، وهي القمص فيحصل بسببها أربعة أنواع من العذاب، لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم واللون الوحش ونتن الريح، وأيضًا التفاوت بين قطران القيامة وقطران الدنيا كالتفاوت بين النارين، وأقول حظ العقل من هذا أن جوهر الروح جوهر مشرق لامع من عالم القدس وغيبة الجلال، وهذا البدن جارٍ مجرى السربال والقميص له، وكل ما يحصل للنفس من الآلام والغموم، فإنما يحصل بسبب هذا البدن، فلهذا البدن لذع وحرقة في جوهر النفس، لأن الشهوة والحرص والغضب إنما تتسارع إلى جوهر الروح بسببه، وكونه للكثافة والكدورة والظلمة هو الذي يخفي لمعان الروح وضوءه وهو سبب لحصول النتن والعفونة، فتشبه هذا الجسد بسرابيل من القطران والقطر، وقرأ بعضهم {مّن قَطِرآن} والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره.
قال أبو بكر بن الأنباري: وتلك النار لا تبطل ذلك القطران ولا تفنيه كما لا تهلك النار أجسادهم والأغلال التي كانت عليهم.
الصفة الثالثة: قوله تعالى: {وتغشى وُجُوهَهُمْ النار} ونظيره قوله تعالى: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوء العذاب يَوْمَ القيامة} [الزمر: 24] وقوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار على وُجُوهِهِمْ} [القمر: 48].
واعلم أن موضع المعرفة والنكرة والعلم والجهل هو القلب، وموضع الفكر والوهم والخيال هو الرأس.
وأثر هذه الأحوال إنما تظهر في الوجه، فلهذا السبب خص الله تعالى هذين العضوين بظهور آثار العقاب فيهما فقال في القلب: {نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} [الهمزة: 6، 7] وقال في الوجه: {وتغشى وُجُوهَهُمْ النار} بمعنى تتغشى، ولما ذكر تعالى هذه الصفات الثلاثة قال: {لِيَجْزِىَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} قال الواحدي: المراد منه أنفس الكفار لأن ما سبق ذكره لا يليق أن يكون جزاء لأهل الإيمان، وأقول يمكن إجراء اللفظ على عمومه، لأن لفظ الآية يدل على أنه تعالى يجزي كل شخص بما يليق بعمله وكسبه ولما كان كسب هؤلاء الكفار الكفر والمعصية، كان جزاؤهم هو هذا العقاب المذكور، ولما كان كسب المؤمنين الأيمان والطاعة، كان اللائق بهم هو الثواب وأيضًا أنه تعالى لما عاقب المجرمين بجرمهم فلأن يثيب المطيعين على طاعتهم كان أولى.
ثم قال تعالى: {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} والمراد أنه تعالى لا يظلمهم ولا يزيد على عقابهم الذي يستحقونه.
وحظ العقل منه أن الأخلاق الظلمانية هي المبادي لحصول الآلام الروحانية وحصول تلك الأخلاق في النفس على قدر صدور تلك الأعمال منهم في الحياة الدنيا، فإن الملكات النفسانية إنما تحصل في جوهر النفس بسبب الأفعال المتكررة، وعلى هذا التقدير فتلك الآلام تتفاوت بحسب تلك الأفعال في كثرتها وقلتها وشدتها وضعفها وذلك يشبه الحساب.
ثم قال تعالى: {هذا بلاغ لّلنَّاسِ} أي هذا التذكير والموعظة بلاغ للناس، أي كفاية في الموعظة ثم اختلفوا فقيل: إن قوله هذا إشارة إلى كل القرآن، وقيل: بل إشارة إلى كل هذه السورة، وقيل: بل إشارة إلى المذكور من قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} إلى قوله: {سَرِيعُ الحساب} وأما قوله: {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} فهو معطوف على محذوف أي لينتصحوا: {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} أي بهذا البلاغ.
ثم قال: {وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قد ذكرنا في هذا الكتاب مرارًا أن النفس الإنسانية لها شعبتان: القوة النظرية وكمال حالها في معرفة الموجودات بأقسامها وأجناسها وأنواعها حتى تصير النفس كالمرآة التي يتجلى فيها قدس الملكوت ويظهر فيها جلال اللاهوت ورئيس هذه المعارف والجلاء، معرفة توحيد الله بحسب ذاته وصفاته وأفعاله.
والشعبة الثانية: القوة العملية وسعادتها في أن تصير موصوفة بالأخلاق الفاضلة التي تصير مبادي لصدور الأفعال الكاملة عنها، ورئيس سعادات هذه القوة طاعة الله وخدمته.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} إشارة إلى ما يجري مجرى الرئيس لكمال حال القوة النظرية وقوله: {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} إشارة إلى ما يجري مجرى الرئيس لكمال حال القوة العملية فإن الفائدة في هذا التذكر، إنما هو الإعراض عن الأعمال الباطلة والإقبال على الأعمال الصالحة، وهذه الخاتمة كالدليل القاطع في أنه لا سعادة للإنسان إلا من هاتين الجهتين.
المسألة الثانية:
هذه الآيات مشعرة بأن التذكير بهذه المواعظ والنصائح يوجب الوقوف على التوحيد والإقبال على العمل الصالح، والوجه فيه أن المرء إذا سمع هذه التخويفات والتحذيرات عظم خوفه واشتغل بالنظر والتأمل، فوصل إلى معرفة التوحيد والنبوة واشتغل بالأعمال الصالحة.
المسألة الثالثة:
قال القاضي: أول هذه السورة وآخرها يدل على أن العبد مستقل بفعله، إن شاء أطاع وإن شاء عصى، أما أول هذه السورة فهو قوله تعالى: {لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور} [إبراهيم: 1] فإنا قد ذكرنا هناك أن هذا يدل على أن المقصود من إنزال الكتاب إرشاد الخلق كلهم إلى الدين والتقوى ومنعهم عن الكفر والمعصية، وأما آخر السورة فلأن قوله: {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} يدل على أنه تعالى إنما أنزل هذه السورة، وإنما ذكر هذه النصائح والمواعظ لأجل أن ينتفع الخلق بها فيصيروا مؤمنين مطيعين ويتركوا الكفر والمعصية، فظهر أن أول هذه السورة وآخرها متطابقان في إفادة هذا المعنى.
واعلم أن الجواب المستقصى عنه مذكور في أول السورة فلا فائدة في الإعادة.
المسألة الرابعة:
هذه الآية دالة على أنه لا فضيلة للإنسان ولا منقبة له إلا بسبب عقله، لأنه تعالى بين أنه إنما أنزل هذه الكتب، وإنما بعث الرسل لتذكير أولى الألباب، فلولا الشرف العظيم والمرتبة العالية لأولى الألباب لما كان الأمر كذلك.
قال المصنف رحمه الله تعالى ورضي عنه: تم تفسير هذه السورة يوم الجمعة في أواخر شعبان سنة إحدى وستمائة ختم بالخير والغفران في صحراء بغداد، ونسأل الله الخلاص من الغموم والأحزان والفوز بدرجات الجنان والخلاص من دركات النيران، إنه الملك المنان، الرحيم الديان، بحمد الله وحسن توفيقه وصلاته وسلامه على خاتم النبيين محمد وآله وسلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض}.
فيه قولان:
أحدهما: أنها تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة، لم تعمل عليها خطيئة، قاله ابن مسعود. وقال ابن عباس: تبدل الأرض من فضة بيضاء.
الثاني: أنها هي هذه الأرض، وإنما تبدل صورتها ويطهر دنسها، قاله الحسن.
{السمواتُ} فيها ستة أقاويل:
أحدها: أن السموات تبدل بغيرها كالأرض فتجعل السماء من ذهب، والأرض من فضة، قاله علي بن أبي طالب.
الثاني: أن السموات تبدل بغيرها كالأرض، فتصير السموات جنانًا والبحار نيرانًا وتبدل الأرض بغيرها، قاله كعب الأحبار.
الثالث: أن تبديل السموات تكوير شمسها وتكاثر نجومها، قاله ابن عيسى.
الرابع: أن تبديلها أن تطوى كطي السجل للكتب، قاله القاسم بن يحيى.
الخامس: أن تبديلها أن تنشق فلا تظل، قاله ابن شجرة.
السادس: أن تبديلها اختلاف أحوالها، تكون في حال كالمهل، وفي حال كالوردة، وفي حال كالدهان، حكاه ابن الأنباري.
{وبرزوا لله الواحد القهار} أي صاروا إلى حكم الله تعالى وأمره فروى الحسن قال: قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله يوم تبدَّل الأرض غير الأرض أين الناس يومئذٍ؟ قال: «إن هذا الشيء ما سألني عنه أحد ثم قال على الصراط يا عايشة».
قوله عز وجل: {وترى المجرمين يومئذٍ مقرنين في الأصفاد}.
فيه قولان:
أحدهما: أن الأصفاد الأغلال، واحدها صفد، ومنه قول حسان:
ما بين مأسورٍ يشد صِفادُهُ ** صقرٍ إذا لاقى الكريهة حامي

الثاني: أنها القيود، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا ** وأُبنا بالملوكِ مُصَفّدينا

أي مقيّدين. وأما قول النابغة الذبياني:
هذا الثناء فإن تسمع لقائله ** فلم أعرض، أبيت اللعن، بالصفدِ

فأراد بالصفد العطية، وقيل لها صف لأنها تقيد المودة.
وفي المجرمين المقرنين في الأصفاد قولان:
أحدهما: أنهم الكفار يجمعون في الأصفاد كما اجتمعوا في الدنيا على المعاصي.
الثاني: أنه يجمع بين الكافر والشيطان في الأصفاد.
قوله عز وجل: {سرابيلهم مِن قطرانٍ} السرابيل: القمص، واحدها سربال، ومنه قول الأعشى:
عهدي بها في الحي قد سربلت ** صفراء مثل المهرة الضامر

وفي القطران ها هنا قولان:
أحدهما: أنه القطران الذي تهنأ به الجمال، قاله الحسن، وإنما جعلت سرابيلهم من قطران لإسراع النار إليها.
الثاني: أنه النحاس الحامي، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير {من قطران} بكسر القاف وتنوين الراء وهمزآن لأن القطر النحاس، ومنه قوله تعالى: {آتوني أفرغ عليه قطرًا} [الكهف: 96] والآني: الحامي، ومنه قوله تعالى: {وبين حَمِيمٍ آن} [الرحمن: 44].
قوله عز وجل: {هذا بلاغ للناس}.
فيه قولان:
أحدهما: هذا الإنذار كاف للناس، قاله ابن شجرة.
الثاني: هذا القرآن كافٍ للناس، قاله ابن زيد.
{ولينذروا به} فيه وجهان:
أحدهما: بالرسول.
الثاني: بالقرآن.
{وليعلموا أنما هو إله واحدٌ} لما فيه من الدلائل على توحيده.
{وليذكّرَ أولوا الألباب} فيه وجهان:
أحدهما: وليتعظ، قاله الكلبي.
الثاني: ليسترجع يعني بما سمع من المواعظ. أولو الألباب، أي ذوو العقول. وروى يمان بن رئاب أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {فلا تحسبن الله} الآية،
تثبيت للنبي عليه السلام ولغيره من أمته، ولم يكن النبي عليه السلام ممن يحسب مثل هذا، ولكن خرجت العبارة هكذا، والمراد بما فيها من الزجر من شارك النبي عليه السلام في أن قصد تثبيته.
وقرأ جمهور الناس {مخلف وعده} بالإضافة، {رسلَه} بالنصب، وإضافة {مخلف} إلى الوعد، إذ للإخلاف تعلق بالوعد على تجوز، وإنما حقيقة تعلقه بالرسل، وهذا نحو قول الشاعر: الطويل:
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه ** وسائره باد إلى الشمس أجمع

وكقولك: هذا معطي درهم زيدًا. وقرأت فرقة: {مخلف وعدَه رسلِه} بنصب الوعد وخفض الرسل، على الإضافة، وهذه القراءة ذكرها الزجاج وضعفها، وهي تحول بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وهي كقول الشاعر: مجزوء الكامل:
فزججتها بمزجّة ** زج القلوص أبي مزادة

وأما إذا حيل في نحو هذا بالظرف فهو أشهر في الكلام كما قال الشاعر:
لله در اليوم من لامها

وقال آخر: الوافر:
كما خط الكتاب بكفِّ يومًا ** يهوديٍّ يقارب أو يزيل

والمعنى: لا تحسب يا محمد- أنت ومن اعتبر بالأمر من أمتك وغيرهم- أن الله لا ينجز ميعاده في نصره رسله، وإظهارهم، ومعاقبة من كفر بهم، في الدنيا أو في الآخرة، فإن الله عزيز لا يمتنع منه شيء، ذو انتقام من الكفرة لا سبيل إلى عفوه عنهم.
وقوله: {يوم تبدل الأرض} الآية، {يوم} ظرف للانتقام المذكور قبله. ورويت في تبديل الأرض أقوال، منها في الصحيح: أن الله يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي، وفي الصحيح: أن الله يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه. وروي أنها تبدل أرضًا من فضة. وروي: أنها أرض كالفضة من بياضها. وروي أنها تبدل من نار. وقال بعض المفسرين: تبديل الأرض: هو نسف جبالها وتفجير بحارها وتغييرها حتى لا يرى فيها عوج ولا أمت: فهذه حال غير الأولى، وبهذا وقع التبديل.
قال القاضي أبو محمد: وسمعت من أبي رضي الله عنه: أنه روي: أن التبديل يقع في الأرض، ولكن يبدل لكل فريق بما تقتضيه حاله، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه، وفريق يكون على فضة- إن صح السند بها- وفريق الكفرة يكونون على نار. ونحو هذا مما كله واقع تحت قدرة الله تعالى.
وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عفراء لم يعص الله فيها. ولا سفك فيها دم، وليس فيها معلم لأحد، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش»، وروي عنه أنه قال: «الناس وقت التبديل على الصراط»، وروي أنه قال: «الناس حينئذ أضياف الله فلا يعجزهم ما لديه».
و{برزوا} مأخوذ من البراز، أي ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء ولا حصن. وقوله: {الواحد القهار} صفتان لائقتان بذكر هذه الحال.
{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)}.
{المجرمين} هم الكفار، و{مقرنين} مربوطين في قرن، وهو الحبل الذي تشد به رؤوس الإبل والبقر، ومنه قول الشاعر: البسيط.
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ** لم يستطع صولة البزل القناعيس

و{الأصفاد} الأغلال، واحدها: صفد، يقال: صفده وأصفده وصفده: إذا غلله، والاسم: الصفاد، ومنه قول سلامة بن جندل: الوافر:
وزيد الخيل قد لاقى صفادًا ** يعض بساعد وبعظم ساق

وكذلك يقال في العطاء، والصفد العطاء، ومنه قول النابغة.
فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد

والسرابيل: القمص، والقطران هو الذي تهنأ به الإبل، وللنار فيه اشتعال شديد، فلذلك جعل الله قمص أهل النار منه، ويقال: قَطِران بفتح القاف وكسر الطاء، ويقال: قِطْران بكسر القاف وسكون الطاء، ويقال: قَطْران بفتح القاف وسكون الطاء.
وقرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف، وابن عباس وأبو هريرة وعلقمة وسنان بن سلمة وعكرمة وابن سيرين وابن جبير والكلبي وقتادة وعمرو بن عبيد {من قطر آن} والقطر: القصدير، وقيل: النحاس. وروي عن عمر أنه قال: ليس بالقطران ولكنه النحاس يسر بلونه. و{آن} وهو الطائب الحار الذي قد تناهى حره؛ قال الحسن: قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت فتناهى حره. وقال ابن عباس المعنى: أنى أن يعذبوا به.
وقرأ جمهور الناس {وجوهَهم} بالنصب، {النارُ} بالرفع. وقرأ ابن مسعود {وجوهُهم} بالرفع. {النارَ} بالنصب. فالأولى على نحو قوله: {والليل إذا يغشى} الليل: 1 فهي حقيقة الغشيان، والثانية على نحو قول الشاعر: الكامل:
يغشون حتى ما تهر كلابهم ** لا يسألون عن السواد المقبل

فهي بتجوز في الغشيان، كأن ورود الوجوه على النار غشيان.
وقوله: {ليجزي} أي لكي يجزي، واللام متعلقة بفعل مضمر، تقديره: فعل هذا، وأنفذ هذا العقاب على المجرمين ليكون في ذلك جزاء المسيء على إساءته. وجاء من لفظة الكسب بما يعم المسيء والمحسن، لينبه على أن المحسن أيضًا يجازى بإحسانه خيرًا.
وقوله: {سريع الحساب} أي فاصله بين خلقه بالإحاطة التي له بدقيق أمرهم وجليلها. لا إله غيره، وقيل لعلي بن أبي طالب: كيف يحاسب الله العباد في وقت واحد مع كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد.
وقوله: {هذا بلاغ للناس} الآية، إشارة إلى القرآن والوعيد الذي يتضمنه ووصفه بالمصدر في قوله: {بلاغ} والمعنى: هذا بلاغ للناس وهو لينذروا به.
وقرأ جمهور الناس {ولينذَروا} بالياء وفتح الذال على بناء الفعل للمفعول. وقرأ يحيى بن عمارة وأحمد بن يزيد بن أسيد: {ليَنذَروا به} بفتح الياء والذال كقول العرب: نذرت بالشيء إذا أشعرت وتحرزت منه وأعددت وروي أن قوله: {وليذكر أولو الألباب} نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. اهـ.